الخائن الذي يجهل نفسه

تُشكل مقولات الحرب وما تناقلته الأمم في شأن الصراع إرثا عظيما في التجربة الإنسانية، يتجاوز الحرب إلى الحياة؛ ويجعلُ المتأملَ فيها بعيدَ النظرِ، متسعَ الأفق، وإن افتقرت حياته إلى التجربة الكبيرة. مما أتمثل به في هذ الإرث الإنساني عبارة بارعة تقول: أن أكون فرداً في جماعة الأسود أحب إلي من أن أكون قائدا لقطيع النعاج. ولك أن تستعمل مواهبك التأويلية على عشرات الأوجه لتستنطق المقولة بمُثل وأفكارٍ تمتثلها في حياتك، لكني اليوم أنظر إليها من زاوية مختلفة.
لا تتشكل معضلة قطيع النعاج في ضعفها فحسب؛ فمع القليل من التصرف والتدبير يستطيع أضعف الكائنات الفتك بمن يفوقه قوة، أو النجاة على أقل الأحوال بغريزة البقاء. لكن تكمن مشكلة النعاج أنها سريعة الهلع. وتتفاقم المشكلة بسبب ما يتصف به الهلع من قدرة كبيرة على الانتقال بشكل معدي ليضعف عزيمة الشجاع.
يضخم الهلع الأمور فتبدو أكبر وأقرب من حقيقتها، ويرسم لنا أزمات لن تقع، أو إن وقعت ففي أحيان كثيرة تكون أخف وطأة مما رسمته عقولنا، يعجز الهلوع عن المضي قُدُمًا ويجد نفسه مدفوعا إلى الاستسلام والتمدد استعدادًا للذبح1، وتتحول تجربة العمل والعيش مع الهلوع إلى تجربة مؤذية، تولد القلق والتوتر لمن يحيط به.
وعلى خلاف معظم الصفات البشرية يولد الهلع صغيرًا ويتعاظم في نفس صاحبه بازدياد الأمور التي يخشى فقدها، وهذا ما يجعل اعتياد رباطة الجأش وثبات النفس سلوكٍا قيما لا يعلم الإنسان متى يحتاجه و متى يخونه.
في كل الظروف التي ستمر بها سيكون السكون وهدوء البال وقلة التوتر أهم التصرفات التي تعينك -بعد توفيق الله- على تخطي أكدار الحياة.
على الهامش :
– كان الملصق الشهير “حافظ على هدوءك واستمر” أو “Keep Calm and Carry On
أحد الوسائل التي استعملتها حكومة المملكة المتحدة عام 1939 أثناء الحرب العالمية الثانية لتعزيز معنويات الشعب لعبور الحرب.


1- تنقل كتب التاريخ نماذج للهلع الذي يصيب الجموع فيشل قدرتها على التفكير وقد ينزل الرجل الواحد بجماعة من الناس يفوقونه عددا فيذبحهم ولا يستطيعون رده

رأيان حول “الخائن الذي يجهل نفسه

  1. ابدعت ابدعت ابدعت ؛

    و استلامهك لمعنى الهلع و انه التسبيب المخفي للمثل شائع الاقتباس استلاهم عظيم . و من الجيد و المخيف ايضاً معرفة هذا الاثر الكبير للهلع و ينبغي على الانسان ان يتنبه للهلع و لا يُمكنه من نفسه .

    اتمنى لك دوام التوفيق و السداد ❤️

    رياض

    إعجاب

أضف تعليق