السخرية بدءا من إيران إلى أفريقيا وانتهاء بتوين

صوّر لي أحد الأصحاب مجموعة كتب أثناء وجوده في مكتبة بالكويت وقال: “تبي شيء منها؟” وظهر علي الارتباك في مجلس أهلي وأنا أكتب إليه بشكل سريع “إيه أبي مضحك بالفارسية لفيروزة دوماس” وطوال أسبوع مضى كنت أترقب عودته، لأن الكتاب في قائمة كتبي من مدة طويل، وتلهفًا لقراءة شيء ساخر يذهب عني سأم الرطوبة والصيف.



يظن كثير من الناس أن الكوميديا والسخرية اسمان لفعل واحد، وقد تكون الكاتبة أو فريقها الاستشاري في دار النشر لم يهتموا كثيرا بالفرق بينهما وكان هدفهم إخراج سيرة طريفة لطيفة تحقق مبيعات عالية وهو ما تحقق لهم، أما إن كنت تهتم للتفرقة ورؤية الأمور بدقة فهناك فرق بين السخرية وبين ما كتبته فيروزة في هذه المذكرات، الكتاب لطيف وسيجد فيه كثير من الناس حكايا ظريفة، لكني لم أضحك! بخلاف ما وعدني به الغلاف، وحين استرجع الكتب التي أفرطت الدمع من عيني أو أثارت فضول المحيطين بي لكثرة ما أضحكتني فلن تكون هذه السيرة ضمنها.
ما لم يعجبني هو: غياب الروح الإيرانية في سرد يفترض به أن يكون حكاية فتاة فارسية تحاول الاندماج في مجتمع أمريكي، النكات مكتوبة بروح أمريكية، وتصويرها كل ماهو إيراني أو ذا عادة إيرانية – عدا أزهار عمتها وتوافه بسيطة- مصبوغ بنظرة غربية استشراقية تهكمية، سيرتها ومعيشتها ونمط حياتها بأكمله ممزوج بهذه الروح، وقراءة السيرة تُشبه رؤية فيلم كوميدي عن أشخاص شرقيين مملوء بالكثير من الصور النمطية المبتذلة المبالغ فيها، حتى وأنت تضحك عليها تشعر بداخلك أن الأمور ليست بهذه الطريقة، في النهاية لا غرابة هي مذكرات فتاة عاشت كل حياتها الحقة في أمريكا وتتحدث عن البلد وأهله بطريقة أقل سخرية وأكثر تبجيلًا.
كما لم يعجبني تحويلها السيرة إلى كوميديا مبالغ فيها، جعلت معظم الشخصيات مضحكة وذات سلوك كاريكاتيري مغفلة بتعمد أفعالا وسلوكيات عظيمة قاموا بها، ولعل أكثر المظلومين في سيرتها هو والدها الذي لم ينل حقه من الانصاف.


سخرية السير الذاتية تشدني لمقارنة ما كتبته فيروزة بما كتبه تريفور نواه الجنوب أفريقي الذي كتب تجربته الصعبة في سيرته (جريمة الولادة) وجعل منها مادة مضحكة وساخرة ومفعمة بالأمل والعمق، كنت أقرأ سيرته وأنا أتناول مكرونة باستا بساحة المطاعم في أحد المولات ورأسي يهتز بالضحك وعدد من الأشخاص ينظرون إلي وأيديهم ممسكة بهواتفهم منتظرين أن ألتفت عليهم بعيون مجنونة ليتصلوا بالشرطة مبلغين عن مخبول بيده كتاب ويفزع الأطفال، أضحكني في سرد نواه روايته الحكاية بواقعية مضحكة تشبه كثير مما رأيت في حياتك، ثم ستنتهي من الكتاب مستشعرًا الاحترام لهم، هكذا أفهم أنا السخرية وهو ما لم أجده عند فيروزة.
ولأجعل من هذه التدوينة ثلاثية أخرى مثل التدوينة السابقة أشيد بإحدى أجمل السير الذاتية الساخرة سخرية أليمة ومحزنة جدا ، السخرية التي تجعلك تبتسم ثم تلوي شفتيك ندما على هذه الابتسامة سيرة ذاتية لمارك توين .
إذا كان تريفور في نهاية حياته الساخرة أستطاع الوصول إلى النجاح أو الثروة فإن مارك توين يصل بك إلى حسرة المعاناة التي لن يفي أي نجاح بشفاء تلك التجربة المريرة التي مع مراراتها أستطاع توين أن يرويها بكل هذه الطرافة.
سأكون ممتنا لمن يشاركني سيرة ذاتية مكتوبة بطريقة ساخرة ويسعدني ترك تعليق بذلك أسفل هذه التدوينة.


أخيرا لتسهيل وصول إشعار بالتدوينات المستقبلية ولمشاركتكم الروابط والأمور التي لا يصلح أن تكون مدونات مستقلة فقد أنشأت قائمة بريدية عبر هذا الرابط

(سيصلك منشور بريدي أسبوعي واحد في أقصى الحدود ) وسأقوم الأسبوع القادم بإجراء سحب على 3 كتب ستكون من نصيب أحد المشتركين في القائمة.

3 رأي حول “السخرية بدءا من إيران إلى أفريقيا وانتهاء بتوين

  1. السيرة الذاتية مثل تخصص جراحة الاعصاب، ليس لكل جراح أن يتقنه ويفتتن به ويتفنن فيه. أعتقد أنه أدب حساس للغاية واختياره صعب بالنسبة لي على الأقل، لكنها مغامرة حتمية كاختيار الصديق الجيد والسيء.

    إعجاب

  2. بالنسبة لاقتراحي لسيرة ساخرة- إن صح التعبير -: مذكرات الولد الشقي لمحمود السعدني، رغم أني قرأته منذ مدة طويلة إلا أني أتذكر أن ثمة ما أضحكني فيها ربما حس الفكاهة كان نقيا عندي آن ذاك، أو أن الكتاب حقا يستحق ذلك!
    وأفضل ما قرأت سيرة عبدالوهاب المسيري رحمه الله رحلتي الفكرية، كانت سيرة فاخرة من النوع الذي يملؤك بالحُسن والعذوبة والتأمل، تشعر حال انتهاءه أنك كنت في رحلة لكنها خططت لك أفضل مما كنت قد خططت لها.

    إعجاب

  3. مرحبا وراق
    هذي روايه اضحكتني شخصيا الا اني ارى في معظمها امور مبالغ فيها و لكن بشكل عام اعجبتني اسمها
    The humans “ ل كان و اعتقد انه فيها مترجم اذا ما خاب ظني

    إعجاب

أضف تعليق