تعرفون أحد يشتري غنم؟

اتصل بي أبي اليوم يسأل عن أحوالي ثم قال لي :
إذا نزلت الأسبوع القادم شف لي أحد يشتري مني الغنم، طفرتنا، أكلها، وأتعبني الاهتمام بها، والمردود من وراها ما يسوى كل هذا. هذه السنة العاشرة على التوالي منذ أن بدأ والدي يظهر رغبة في بيع “الحلال” ويمتعض من الجهد الذي يبذله عليها، وكل مرة يعلن هذا أدعم قراره بشدة، وأستعد لبيعها، لكن لا يحدث شيء من ذلك وتنتهي رغبته عند هذا الحد، هو صادق القول حين يبدي امتعاضه، لكنه ليس جادا في عمق نفسه لفعل ذلك.
يبدي تلك الرغبة في لحظات الإرهاق والشعور بثقلها عليه، لكن في بقية الأيام هو يحبها، ويأنس بتربيته لها، ويعاملها مثل الأصدقاء – كنت أريد القول مثل العائلة لكن خشيت من تحريض شقيقتي أني أشبههم بالغنم – يعرف والدي أغنامه وأحوالها، ويخبرك أن الشاة تلك نشب رأسها في علبة معدنية واضطروا أن يذهبوا بها إلى الحداد ليقصوها، وأن ابنتها خبلة مثلها وقد نشبت قدمها أمس في شبك قديم طوال الظهيرة، حتى وجدها الراعي، ثم يضحك ويقول “سبحان الله ليس البشر فقط، حتى البهائم تتوارث قلة السنع“. وحين يحب والدي أحدا من أطفال العائلة يمنحه شاة يتركها في غنمه وتصبح وذريتها أحب الأغنام إليه لأنها حلال فلان.

بعد اتصال والدي وجدتني مثله؛ امتعض طوال الوقت من التعب والجهد والإرهاق الذي ينالني من مشروع أعمل عليه وأتابعه كثيرًا دون مردود يستحق، ومنذ منتصف 2019 وأنا أبدي رغبة في التخلص منه بل فاوضت بشكل جدي على بيعه، طمعا في استعادة هدوء بالي القديم وسكون حياتي المفقود، لكن في أعماق نفسي لا أعتقد أني جاد في هذه النية وأنها مجرد ظن خاطئ، ستعقبه الندامة إن حدث كنت أقل تعبا قبل هذا المشروع، لكنه منحني معنى جديدًا جميلًا لا أود فقده.

وهكذا الحياة، أمورنا الجميلة هي لذات ممزوجة بالتعب، وكثير من شؤوننا التي نكابدها ونود الانتهاء منها، سنبكي عليها إن ذهبت، ليس لأن الإنسان محكوم بحب عاداته ويعجز عن الفكاك عنها، وهذا صدق، ولكن أيضا لأن هذا التعب الممزوج باللذات يصبح جزءا من اللذة في وقت لاحق.

أحد كبار السن في عائلتنا كان دائم التجهم من ضجيج الأولاد لاسيما حين يلعبون بالكرة وتضرب في باب غرفته، ومرة سافر أفراد العائلة سفرا قصيرا وقرر هو البقاء لأنه لا يجد الطاقة لسفر يومين، ولما عادت العائلة ودخلو عليه بكا وقال لأصغر البنات “ما ظنيت قبل يوم أمس إني أبفقد صراخك يا أم القرون” عاد بالطبع لامتعاضه بعد أيام كما يعود والدي لإبداء رغبته في بيع الحلال وكما أتأفف من تعاملي مع مشروعي، وكما تراودك نفسك دائما بالضجر من أمور كثيرة ترهقك لكنك تحب وجودها في حياتك.
على كل حال إلى أن يعود والدي عن رغبته، تعرفون أحد يشتري غنم؟

4 رأي حول “تعرفون أحد يشتري غنم؟

  1. ذكرتني حكايتك بعمة رحمها الله ، كانت تربي الأغنام و الأبقار و…و…و كانت في كل مرة عندما تتعب وترى أنها لا تنال منها إلا التعب و المشقة، تقول يكفي إلا هذا الحد أبيعها وأعيش في هناء. لكن هيهات ..هيهات..ماتت عمتي ولم ترى الهناء في حياتها.ربما ارتباط لا يفهمه إلا من عشه.

    إعجاب

أضف تعليق