رجلٌ تشبهه الحقائب.

التقيت أحد رفاقي المشاغبين في مطار الرياض، جمعنا انتظار الطائرات وكوب قهوة وتعب المشي لأيام في زحام معرض الكتاب، وحزن الإياب الغامض. ولكي يستفز لساني المجهد؛ أشار بخبث إلى حقيبتي وقال “شنطتك تشبهك”. أخرجت له هاتفي وأريته صورة أخذتها قبل ساعات للحقيبة، مدفوعا لالتقاطها بذات الفكرة.

أعتقد أن الإنسان مع الوقت تشبهه أشياؤه أو هو يشبهها، أتذكر عمي الذي أخفى عنا عطره الساحر سنين طويلة، وحين وجدنا القارورة بعد موته واشتريناه لم تكن له رائحة عمي.

عجلات حقيبتي تعرج لكثرة ما قطعت من طرق طويلة، أسحبها بروية حينا وأدفعها راكضا في معظم الوقت، ولفرط ما ركضت بها أشعر أحيانًا أنها تسحبني وتصرخ “بسرعة لا تقفل البوابة علينا” من خلال الخدوش على جنباتها أُعدد الأرصفة التي سقطت عليها، لأنها لم تؤخذ بجدية كافية، أو لم يهتم أحدٌ لسقوطها، أو لفرط الثقة أنها قوية لا تنكسر.
حشوتها مرة كتبًا كثيرة في رحلة عودة من خارج السعودية وحين أوقفني موظف الجمارك سألني كل اللي فيها كتب؟ مافيه أغراض ثانية! وهكذا يقول عني بعض الناس أحيانًا.


على جنباتها عدد لا يحصى من ملصقات الطيران تحمل اسماء مطارات شتى لا تدل على مكان ولا تشير إلى وجهه. في رحلة قبل سنوات وبسبب تأخر عبوري من الجوازات، فرغ سير الحقائب ولم يبق عليه غير حقيبتي تغدو وتعود وحيدة بلا منتظر، لذا سحبها موظفوا المطار. وحين راجعت قسم الحقائب المفقودة أخبرت الموظف أنها خضراء فسفورية وزودته برقم الملصق عليها وأريته صورتها، عاد إلي بعد دقائق ودفعها بقوة باتجاهي وقال لولا لونها المميز لما استطعت أن أعرفها، عليها ألف ملصق .

إن صح تشبيه صاحبي المشاغب فهذا ما تشبهني به، أحمل ألف وجهة وطريق، ولذا أخشى أن أضيع يومًا فلا يستطيع أحد العثور علي.

3 رأي حول “رجلٌ تشبهه الحقائب.

أضف تعليق