يكمن الحب في إنقاذ الآخر من الموت

لماذا فعلت أمي هذا؟ لن أعرف السبب أبدا. فالآباء حين يرحلون، يورثوننا ألغازًا أكثر من الثروات.

خوان خوسيه مياس

مع تكرر التجربة صار لدي إحساس بالهبوط وتقدير للثانية التي تلمس فيها عجلة الطائرة أرض المطار، يستمتع الإنسان بهذا الإحساس التوافقي مع الحياة من حوله، أن يتناغم مع حركة الكون، فيلتقط إناءً كاد يقع أو يصد شيئا رمي بإتجاهه، أو كحالتي أشد عضلاتي في اللحظة التي تلامس فيها عجلات الطائرة الأرض؛ فلا يختل توازني ولا يتحرك كتابي وأرى بطرف عيني الناس وهم يتبعثرون وأشعر بالزهو، هذه الفكرة التناغمية هي ما جعلت الإنسان يلعب البيسبول والتنس ويقنص الطرائد على ظهور الخيل، ليستمتع بقدرة التحكم بأصعب الأشياء تحركًا. لذة التوازن هي جوهر الألعاب التي اخترعها الإنسان.
البارحة وقبل ثوانٍ من ملامسة عجلات الطائرة للأرض ارتفعت الطائرة بشكل حاد ومفاجئ إلى السماء حتى ارتطمنا جميعًا إلى الخلف وأربكني الأمر مرتين، الارتباك الأول لعضلاتي التي لم تتوقع هذه الحركة والأخرى ارتباك الخوف الطاغي على الجميع، وانتقل الذعر من الكبار إلى الصغار فعم سكوت مطبق إلا من صوت محرك الطائرة، وفي ثوان قليلة خطر لي أن هذه اللحظة غير المعتادة قد تكون هي الدقائق الأخيرة في الحياة.
بادرت وأخرجت هاتفي ونحن ما نزال قرب الأرض قبل أن تختفي التغطية وفكرت ماذا سأصنع هل يفترض بي أن أقول لأحد المقربين إلي أنني سأموت هههه، ماهي رسالتي الأخيرة للعالم؟ وهل أصلا العالم يحتاج مني رسالة أخيرة؟ ثم لنفترض أني طلبت السماح ثم لم أمت ياويح قلبي كيف سأبدو أمام من أرسل إليهم.
كل هذه الأفكار مرت بذهني خلال ثوان بين معاودة الإقلاع وانقطاع الشبكة وخطر لي أن أفضل حل هو جدولة رسالة في قناة التلقرام التي يعرفها كل المقربين مني ومباشرة كتبت رسالة وجيزة ذيلتها بالوقت واليوم وجدولتها بعد 7 ساعات. من الذي سينجو بعد 7 ساعات معلقا في الهواء. كتبت الرسالة أدناه وجدولتها.


ثم عدت إلى نفسي أفكر في ما سيأتي، لم أخش الموت، بل الغريب أني كنت منفتحًا على الفكرة جدًا وليس انفتاح متولد عن أفكار مضطربة أو رغبات انتحارية. لكن إذا حانت ساعتي فليس من لحظة أفضل من أن تكون هذه اللحظة. واقعًا تحت خطر محدق، وشاعرًا بدنو الأجل، أقبل على نفسي وأستعد بالتشهد والاستغفار للانتقال للعالم الآخر، وأدعو مخبتًا مستغفرًا عن خطاياي صغيرها وكبيرها. ثم أموت في حادث تراجيدي شاعري يتناسب مع لحظة الكفاح التي دخلت فيها إلى الحياة، ويختم حياتي التي قضيتها في الترحال بأن أموت محلقًا إلى السماء. ثم سأموت ذاهبًا إلى العمل في حادث يسمع به جميع البلد، وسيعلم عنه من تسبب في وضعي بمقر عملي البعيد؛ فيقضي حياته يتقلب على جمر التعاسة وإن كنت أعلم أن اللئام لا يملكون ضميرًا يحس.
لكني تراجعت عن الفكرة حين تذكرت أن نفس الطائرة يركب بها رئيسي الذي شاهدته يلوح لي حين ركبت الطائرة، كرهت أن أشارك ذات المصير معه ثم يلصق اسمي به أبد الدهر، تلك الرحلة التي مات فيها الزميلان فلان وفلان، وفقدت الرغبة وبدأت أتشبث بالحياة وأدعو الله أن ينجيني، نعم يهمني قبل الميتة أن أعرف من يشاركني فيها.
على كل حال بعد نصف ساعة أخرى في الجو هبطت طائرتنا بطريقة فظة سيئة وارتطمت بالمقعد الذي أمامي وعلى ما يبدو أن خوفي أفقدني غريزة التوازن عند السقوط.

7 رأي حول “يكمن الحب في إنقاذ الآخر من الموت

أضف تعليق