الولي المثقف

في داخل الفكرة الصوفية إتجاه يضفي هالة من التعظيم والسر على المجاذيب والعوام وبعض ضعفاء العقل، وتقديس شخصيات هؤلاء بإضفاء روحانية غيبية عليهم يُعبر عنها بأن هولاء لديهم نور إلهي.أو كما في بعض العبارات الدارجة التي تحمل ارتباطًا دلاليًا بهذا المفهوم “يضع سره في أضعف خلقه” … هذا الإتجاه يهمش من المعرفة مقابل العرفان، أو بتعبير آخر: يقلل من قدر ما يمكن إدراكه بالقياس والنظر في مقابل ما يعد إلهاما أو فتوحا أو سرًا فوق الإدراك والتفسير.


قبل أيام التقط أحدهم صورة، وعلق عليها يثني على شاب اعتزل بجانب الطريق للقراءة، فرد عليه آخر يهاجمه ويقلل من قدر الكتب مقابل محادثة البشر، ويعتبر الحديث مع (أي إنسان) كذا! أحب إليه من كل الكتب.
هذا النمط من التفكير يحتفي بالإنسان المجرد عن الاعتبارات ويمنحه قيمة كبيرة ومؤثرة في السياق الثقافي لمجرد اتصافه بالإنسانية. والنظر إليه بما يشبه الروحانية التي لا يمكن إدركها، وكأنها سر من أسرار الكون، واعتبار “التجربة” أكسيرًا غامضًا وقوى خارقه لا يدري الإنسان متى يحصل عليها وأن الفتح الرباني قد يجده الإنسان بالحديث إلى سكران أو جاهل أو سربوت، أو سخيف، وحديث هولاء لا يقل قيمة عن قراءة كتب الأدباء والفلاسفة والعظماء. هذا الإتجاه يماثل إتجاه الخرافة الذي يحتفي بالمجاذيب والمهابيل ويمنحهم صفات الولاية والحكمة الربانية. من يشيد بالكتب مقابل الناس يحتفي بالطبع بعموم المعارف مقابل الغالب على البشر، وأدنى من له حظ من عقل يدرك أن الغلبة هنا للكتب والمعرفة في مقابل السواد الأكبر من البشر، لكن ميزان المفاضلة لا يكون على ذات المساواة حين نقارن نمطًا نادرًا من البشر ذا تجربة مدهشة أو عقل صقلته الحياة بكتاب عادي أو تافه.
يردد هذه الاعتراضات الساذجة من لم يعرف الإنسان على حقيقته، الإنسان المحشو بالجهل والسفه وحظوظ النفس والهوى التي تمنعه عن سلامة التجربة الإنسانية والاستواء على طريق قويم، وكلما قلت معرفة الإنسان ببني جنسة ردد هذه العبارات وكأنه يتعاطى مخدرا يسبب له النشوة.
والاندهاش الكبير للأحاديث العابرة مع الناس يشير -أحيانًا- إلى ضحالة الإنسان الذي تستطيع أقل نفحة حديث على إحداث أمواج كبيرة في نفسه.
أخيرًا أجدني مضطرًأ للتأكيد أني لا أحب التقديس الكبير للكتب والعيش بداخلها عن مواجهة الحياة وعيشها ولكن هذا ليس موضوعنا.
وتصبحون على خير.

أضف تعليق