أمي ضعيفة البصر ولم تساعدها النظارة الطبية على القراءة، ولأنها تعلم أي فتى شقي منغلق على ذاته يقبع بعيدًا؛ فقد أوكلت إلى شقيقتي سارة مراقبة حالة الواتس أب ومنشورات السناب شات، وتدويناتي هنا، وكل مرة أنشر فيها تدوينة توحي باضطراب وجداني عميق تهرع شقيقتي مدفوعة برغبة في النميمة ورصيد ضخم من ضغائن الطفولة للتحريض علي، أحسب أنها بعد قليل ستركض مسرعة إلى أمي وتخبرها أن ابنها قليل الأدب كتب منشورًا يوحي بوقوعه في الحب، ولأن بيتنا الليلة ساكنٌ فوق المعتاد فسيذكر أهلي هذه الليلة لمدة طويلة أنها اليوم الوطني الواحد والتسعين للبلد، والليلة التي أعلنت فيها مشاعري على الملأ.
منذ أن عدت من السفر وشقيقي بدر يكرر باستمرار “بك خلاف؟” وأصر أنا بدوري على النفي، لو كان يحسن تجميل الكلمات لقال:
“في وسط عينيك أقوامٌ من القلقِ.”
سألني أحد العيارين قبل أيام وش بلاك تقرأ عن الحب كثيرًا وبسرعة يكتسبها من اعتاد الهرب، قلت له، يحيرني إنسان ما بعد الحداثة وأود أن أفهم كيف تكونت حياته ومشاعره، لو كنتِ بجواري لهززت رأسك بهدوء وكأنك تمسكين بي متلبسا ثم تقولين وأنت مبتسمة عبارتك المعتادة” يالكذاب“.
وجهي يشي بي وعيناي فمٌ ثرثار ولساني يتغصص كلما أردت الحديث ويدي تنتفض منذ غادرت يدك.
وأردد منذ أمس نص قاسم حداد:
“أسع المدى
وتضيق بي طرقات أرضي
أينما أمضي تطاردني الكواسر
خيمتي مهتوكة، ولغات أهلي تحتفي بنهايتي
وتجس نبضي
كلما أرخيت أحلامي على حجرٍ مشى
وبقيت في سر المدى وبقيت وحدي”