إدمان معارض الكتب.

رأيت مرة مع زميلي بالعمل كتابًا فسألته عنه لكنه صدني وقال وجهك مو وجه راعي كتب، ولا ألومه، إذ إني أحمل معظم الوقت ملامح مدير موارد بشرية متجهم لم يمسك بيده كتابا منذ استلم وثيقة الجامعة.
أكتب دومًا أن المكتبة جزءٌ مهمٌ من الحياة وليست كل الحياة. لكني خروف كتب وهذه الحقيقة، وإذا وجدت لحظة أفقد فيها حرصي وحذري وخططي وتماسكي وجودة تفكيري فسيكون ذلك بسبب كتاب. قبل اسبوعين تعطلت بطاقتي البنكية دون سبب واضح ولا أملك في يدي حينها غير 240 ريالاً، قدرت أنها ستكفيني لإتمام رحلتي واستخدام الأجرة والأكل والشرب في الأيام العشر المقبلة إذا أحسنت التدبير، ولأن الوقت مبكرًا على رحلتي فقد مررت بإحدى المكتبات للتأمل، ثم وجدت على رف الكتب الجديدة فيها كتاب الصفدي الغيث الذي انسجم، وشعرت بالدوار والتيه، وضعفت قدرتي على التفكير؛ هذا الكتاب من الكتب التي عايشته أياما حلوة في فترة الجامعة وقرأت مختصره للدميري واشتريت كل الأعمال المكتوبة عليه التي وقعت عليها يدي، بل بحثت عن مخطوطات له في 2013 لأنه لم ينشر في طبعة مناسبة، ومهما وصفت لن أستطيع الإبانة عما في نفسي على أتم وجه.
قررت حينها أن الحكمة والرشاد والنضج المأمول من شخص انتصف الثلاثين يقتضي أن لا أشتري الكتاب وأن أطرد وساوسي وأخرج، ماذا سأصنع إن اشتريته، كيف سآكل وأكوي ملابسي، وكيف سأنتقل براحة بال، في مكان أعيش فيه بمفردي بلا نقود، وخرجت إلى سيارتي بشكل حازم، وحين استويت على المرتبة رددت على اتصال وارد، وبعدما أنهيت المكالمة عدت مسرعاً بنفس الحزم الذي خرجت به، أسرعت كأني تركت عقلي على المرتبة وأريد الفرار منه قبل أن يدركني. التقطت المجلدات الأربعة وحاسبت البائع ب 200 ريال دون مكاسرة، ثم ركبت السيارة وهربت إلى المطار، قبل أن يعود عقلي، وقبل المطار أخرجت من شنطتي الممتلئة ملابس تعادل حجم الكتاب وتركتها في السيارة وابدلت الغيث الذي انسجم بالملابس ورحلت به في حقيبتي.


في الأيام الماضية كنت أبدي قلة حماس حيال المعرض وحين يتصل بي رائد العيد ليسألني متى آتي كنت أقول “مدري إذا ارتباطات عملي تسمح لي، ولم أتخذ قرارا بعد”. حتى حان الافتتاح وتسربت إلى صور الأصحاب والمعارف من المعرض، ورأيت الأغلفة والجو العام ودخلت في نوبة عصابية وصرت أغني “ياهلي الروح تعبانة…”
أول معرض دولي زرته في حياتي كان في 2002 تقريبا، وحتى هذه الساعة كلما دخلت معرضا للكتاب أشعر بذات الاندهاش وكأنها تلك المرة، هناك أشياء تشبه الحب مهما تكررت لا تفقد بهجتها.
في أول سنين الجامعة زرت معرض الكتاب بالرياض وأنفقت كل ما أملكه في شراء 3 كتب أحدها لم أقرأه حتى الساعة ولا أعلم إن كنت سأقرأه حتى، ولست ندمانا على ذلك، وستظل تلك الزيارة من أجمل ذكرياتي عن العيش الرياض.
لولم يكن في زيارة معرض الكتاب إلا عودة رغبة القراءة والتهام الكتب لكان حدثًا يستحق الاحتفاء.
المهم، لكل من زار المعرض أو ينوي زيارته أو ابتهج به، كل عام وأنتم بخير.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s