فصل أول …

تروي أمي أني ولدت هزيلًا، مجهدًا، ذابلًا، قبل موعد ولادتي المفترض. جئت بعد 7 أشهر فقط قضيتها جنينًا في بطنها. وحين ولدتني كنت التؤام لأخت سبقتني إلى الوجود بخمسين دقيقة.

بهذا المأزق خرجت إلى العالم، ناقص النمو، ضئيلًا ومتعبًا، ومتأخرًا عن شقيقتي، فجمعت بين تعجلي اللامكتمل ، والتأخر في ترتيب الواصلين. وكانت أول مفارقاتي بالحياة.

ولدت شقيقتي أكثر صحة مني، وولدت على مشارف الخطر، ولذا لم تمكث شقيقتي سوى أيام في المستشفى، بينما بقيتُ في حضانة الخُدج موصولًا في كل جزء من أطرافي بأنابيب التغذية والتنفس والعلاج، وكان أمل أهلي في استمرار عيشي ضئيلًا. وبعد شهر ونصف من الدعاء والعلاج والنوم وحيدًا باردًا بداخل حجرة زجاجية مكعبة خرجت إلى العالم!

يربط فرويد ما يحدث للإنسان في حياته الراشدة بالغرائز والخيالات الجنسية، ولكن لو صح لنا أن نجعل أحداثًا حياتية حاكمة على تصرفات شخص راشد فسأجعل تجاربه الأولى على الأرض بذرة في بناء ذاته.

ولادتي إلى الدنيا على كف الخوف، وما عانيته في الأيام التي تلت ذلك صبغت حياتي ببصماتها التي لم تمح من نفسي، عشت كذئب وحيد أفتقد طول النفس وأقضي أيامي متثاقلًا عن إنجاز ما يجب إنجازه، وبتقدم العمر تكبر عادتي في ترك الأشياء إلى ساعة الصفر، وكأني أنتقم من مجيئي المبكر إلى هذا العالم بصنع الأشياء في لحظاتها الأخيرة.

تجاوزي لهذا الموقف عزز بداخلي رغبة النجاة. فقضيت حياتي محاولًا النجاة من الجهل، ومن الذوبان، ومن التفاهة، ومن الرضوخ، ومحاولة النجاة من الانسحاق تحت عجلة الوجود الصعب.

لو كان لي خيار إعادة تسمية نفسي لسميت نفسي (ناجي)

3 رأي حول “فصل أول …

أضف تعليق