أشياء مكثت في عيني

“مهما تضخم الفراغ الذي بداخلك؛ لا تملأه بالناس”
-khol0d – في تويتر بتصرف.

حين افتتحت التدوينة انتبهت أني أريد الكتابة عن عام انصرم بعد انقضاء ربع السنة الجديدة تقريبًا، يبني الناس تواريخهم بالسنوات وأبني تأريخ أيامي بالأماكن والمدن والمنازل.
يحرضني على هذه التدوينة هدوء ليلتي الأولى في منزل واسع الأرجاء خال من كل شيء عدا مرتبة سرير جديدة وفلتر هواء أصحبه أينما ذهبت أكافح به الروائح والغبار، ورجع الصدى في المكان. أنزل الليلة هنا تاركًا ورائي أياما وأحداُثا تشبه العام المنصرم.
في تنقلاتي الأخيرة كنت أسكن وحدات معدة ومفروشة مسبقًا، وأبني فيها أياما ممتزجة بأرواح من نزلوا المكان قبلي وأترك هالة مضطربة من المشاعر لمن سيحل بعدي، لكن هذه المرة أنزل بيتًا تعمدت غسله جيدًا قبل إدخال أغراضي وكأني أغسله من كل ذكرى حلت فيه قبلي.
يلح علي عدد من أصدقائي أن أكتب عن حائل بعدما قضيت عامًا كاملًا فيها، وكلما هممت بالكتابة أصابتني حبسة هائلة تشبه العي، أحاول القبض على ما بنفسي فلا أجد إلا ضبابًا، لا يقبض بالكف، لكنك تجد برودته في صدرك، جئت حائل أحمل جمرة هم تشتعل بداخلي، أتحرك مثقًلا إليها، ونفسي كحجارة مرصوفة بلا ملاط، كلما خطوت خطوة اهتزت مقعقة ومائلة، أخشى أن ينفلت منها حجرٌ ثم تتبعه بقية نفسي إلى القاع.
ذهبت مجموعة من الهزائم في كل صوب وأول هزائمي فقدان ذاتي، كنت أتساءل من أنا؟ وإن لم يظهر هذا السؤال بهذه الفجاجة لكن أدرك أصدقائي المقربون أن بوصلتي تدور إلى غير وجهة وأن المسالك تعددت فلا أعلم إلى أي طريق أسلك والدروب التي أريد شقها تحمل معها الخسائر. أدركوا أني أسأل سؤال الحائر وأقلقهم ذلك لأنه يصدر ممن اعتاد تقديم الإجابات لا الأسئلة. كنت جسورًا جسارة من يستعجل المصائب، يحيط بي القلق، وأتشبث برباطة جأش تقف في وجه الهلع ولأعزز ذلك كتبت منشورًا تبشيريًا أطمئن فيه الناس وما أردت غير طمأنة نفسي لأقيم الحجة عليها فلا أملك إلا التماسك حفظًا لماء الوجه، ثم كان ما كان ووقع ما وقع. وفتح لي درب حياة جديد لم أحسب أني ما زلت أستطيعه، وكانت لي في حائل أيام جمال وسرور افتتحتها ببرد يناير وغادرتها في موسم الشتاء بدفء محبة الكرام.

لم أستطع الكتابة منذ ذلك الوقت عن حائل وأنا الذي احتفظ في مذكراتي بالكثير الطويل عن المدن وحين أتأمل في ذلك أجد أني في كل بلد نزلته، أجعل لنفسي ذكريات أحملها معي أما في حائل فقد كسبت أهلا وإخوانا تركتهم ورائي، جئت حجارة مائلة تتقعقع وعدت بنفس ثابتة وخطوة مستقيمة وعقال مائل.

رأي واحد حول “أشياء مكثت في عيني

اترك رداً على أبوملاذ إلغاء الرد