ثوبٌ أخلقه النوى*

“لم يكن وسيمًا بأي معنى متعارف عليه، ولم يكن منفرًا كذلك. فلم يبدُ أن تلك الكلمات تنطبق عليه لكن كان فيه شيء ما، شيء عتيق عركته السنوات، ليس في مظهره، إنما في عينيه
جسور مقاطعة ماديسون – 63 بتصرف

يمر بي عارض من عدم الاكتراث، يصيبني في كل عام مرة أو مرتين وأعرف ذلك حين تطول مقاطعتي للحلاقين يخرجني من ذلك الحال سفرُ عملٍ طارئ، أو مناسبة خاصة جدًا -وليس من هذه المناسبات بطبيعة الحال الأعياد واللقاءات العادية- تجعلني حالة اللاكتراث غير معني بالتجمل ولا أهتم بإعجاب أحد، ولولا عقوبات مخالفات الذوق العام لرأيت صورًا في وسائل التواصل لرجل يرتدي أردية عجيبة ويكون أنا ذلك الرجل، دخلت قبل شهرٍ إلى مقهى ضخم من تلك المقاهي الصاخبة التي يتمايل فيها الناس بمشية استعراضية تشبه مشية القطة¹، وطلبت قهوة بوصف معين بعد مناقشة متشعبة مع البائع عن مقدار حشوة الفستق في إحدى الحلويات، ثم اكتفيت بالقهوة حين رأيت حلواهم غير جديرة بالاهتمام، ورأيت في وجهه بعد انتهاء الطلب نظرة استهجان أعرف أن سببها شاربي الكث ولحيتي غير منتظمة الأبعاد وعقالي الذي انحدر بإتجاه اليمين خمس درجات وبإتجاه الخلف ثمان درجات، وشماغي الذي لا لا تعرف هل هو بمرازام رث أم سادة. ثم جلست على الطاولة وأخرجت كمبيوتري المحمول ووضعت سماعات ضخمة لتعزل الصوت، وكتاب ضخم على الطاولة، ورفعت راسي لأجد البائع لا يزال ينظر إليَّ متجاهلًا صف الناس الذين يقفون بانتظار طلباتهم فذكرتني نظراته أن أكمل مهمتي بنزع شماغي ووضعه بالعرض على الطاولة وتشمير أكمامي للعمل.
لست شجاعًا للاحتفاظ بهذا المزاج طويًلا، وجسارة اللاكتراث مرهونة بشعور التعب، والهلع، والخوف من انفلات الأمور، ووقوعي تحت الضغط. وحين تبدأ الخيوط تتجمع في يدي؛ تدب إليَّ غواية التجمل والمداراة مجددًا.
ذهبت إلى حلاقي البارحة بعد انقطاع خمسة أشهر، وسألني كالمعتاد عن آخر منطقة كنت فيها، وأين سأسافر هذه المرة، ثم أخبرني عن صيدلي تعرض لإطلاق نار في إحدى المناطق، وأغراني بالسفر إلى القاهرة وهو يكرر هذا الإغراء كل مرة؛ ليشبع رغبة التحليق إلى مصر ولو بإغراء إنسان آخر بذلك.
عند المغادرة رأيت وجهي في المرآة بشعور من ينظر في هاتف جديد بعد سنتين من إستخدام هاتف بشاشة مكسورة.


1- مشية القطة هي مشية العارضات على مسارح الازياء وسميت بهذا لأنها تشبه مشية القطط حين ينظر اليها من الامام
* – عنوان التدوينة مقتبس من شطر بيت أيوب الجهني “ولكن ثوب الصبر أخلقه النوى ولم يبق منه اليوم للشق راقع”

رأي واحد حول “ثوبٌ أخلقه النوى*

  1. بما ان هذه الحالة من عدم الاكتراث تنتابني أحياناً
    والغياب عن الحلاقين غالباً
    اعتقد والعلم عن الله انها مرحلة عمرية .. سببها الاكتفاء
    ألا توافقني الرأي ؟

    إعجاب

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s